فصل: حوادث سنة ثلاث وتسعين ومائتين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ (نسخة منقحة)



.ذكر عدة حوادث:

وفيها جاءت أخبار أن حوى وما يليها جاءها سيل فغرق نحومن ثلاثين فرسخأن وغرق خلق كثير، وغرقت المواشي والغلات وخربت القرى، واخرج من الغرقى ألف ومائتا نفس، سوى من لم يلحق منهم.
وفيها خلع المكتفي على محمد بن سليمان، كاتب الجيش، وعلى جماعة من القواد، وأمرهم بالمسير إلى الشام ومصر لأخذ الأعمال من هارون بن خمارويه، لما ظهر من عجزه، وذهاب رجاله بقتل القرمطي، فسار عن بغداد في رجب وهوفي عشرة آلاف رجل، وجد في السير.
وفيها خرجت الترك في خلق كثير لا يحصون إلى ما وراء النهر، وكان في عسكرهم سبع مائة قبة تركية، ولا يكون إلا للرؤساء منهم، فوجه إليهم إسماعيل بن احمد جيشاً كثيرأن وتبعهم من المتطوعة خلق كثير، فساروا نحوالترك، فوصلوا إليهم وهم غارون، فكبسهم المسلمون مع الصبح، فقتلوا منهم خلقاً عظيماً لا يحصون، وانهزم الباقون، واستبيح عسكرهم، وعاد المسلمون سالمين غامنين.
وفيها خرج من الروم عشرة صلبان مع كل صليب عشرة آلاف إلى الثغور، فقصد جماعة منهم إلى الحدث فأغاروا وسبوا واحرقوا.
وفيها سار المعروف بغلام زرافة من طرسوس نحوبالد الروم، ففتح مدينة أنطاكية، وهي تعادل القسطنطينية، فتحها بالسيف عنوة، فقتل خمسة آلاف رجل، وأسر مثلهم، واستنقذ من الأسارى خمسة آلاف، وأخذ لهم ستين مركباً فحمل فيها ما غمن لهم من الأموال والمتاع والرقيق، وقدر نصيب كل رجل ألف دينار، وهذه المدينة على ساحل البحر، فاستبشر المسلمون بذلك.
وحج بالناس الفضل بن عبد الملك بن عبد الله بن العباس.
وفيها توفي القاسم بن عبيد الله، وزير الخليفة، في ذي القعدة، وكان عمره اثنتين وثلاثين سنة وسبعة أشهر واثنين وعشرين يوماً، ولما مات قال ابن سيار:
أمات ليحيأن فما إن حيي، ** وأفنى ليبقى، فما إن بقي

ومازال في كل يوم يرى ** أمارة حتف وشيك وحي

وما زال يسلح من دبره ** إلى أن خزي النفس فيما خري

وفيها مات أبوعبد الله محمد بن إبراهيم بن سعيد ين عبد الرحمن الماستواي الفقيه بنيسابور، ومحمد بن الجزوعي، قاضي الموصل ببغداد.
وفيها توفي أبوالعباس أحمد بن يحيى الشيباني النحوي، وكان عالماً بنحوالكوفيين، وكان موته ببغداد.

.حوادث سنة اثنتين وتسعين ومائتين:

.ذكر استيلاء المكتفي على الشام ومصر وانقراض ملك الطولونية:

وفي المحرم منها سار محمد بن سليمان إلى حدود مصر لحرب هارون بن خمارويه بن أحمد بن طولون.
وسبب ذلك أن محمد بن سليمان لما تخلف عن المكتفي، وعاد عن محاربة القرامطة، واستقصى محمد في طلبهم، فلما بلغ ما أراد عزم على العود إلى العراق، فأتاه كتاب بدر الحمامي غلام ابن طولون، وكتاب فائق، وهما بدمشق، يدعوانه إلى قصد البلاد بالعساكر بساعداه على أخذهأن فلما عاد إلى بغداد أنهى ذلك إلى المكتفي، فأمره بالعود، وسير معه الجنود، والأموال، ووجه المكتفي دميانة غلام بازمار، وأمره بركوب البحر إلى مصر، ودخول النيل، وقطع المواد عن مصر، ففعل، وضيق عليهم.
وزحف إليهم محمد بن سليمان في الجوش، في البر، حتى دنا من مصر وكاتب من بها من القواد، وكان أول من خرج إليه بدر الحمامي، وكان رئيسهم، فكسرهم ذلك، وتتابعه المستأمنة من قواد المصريين، فلما رأى ذلك هارون، في بعض الأيام، عصبية، فاقتتلوأن فخرج هارون يسكنهم، فرماه بعض المغاربة بمرزاق معه فقتله، فلما قتل قام عمه شيبان بالأمر من بعده، وبذل المال للجند، فأطلقوه وقاتلوا معه، فأتتهم كتب بدر يدعوهم إلى الأمان، فأجابوه إلى ذلك.
فلما علم محمد ين سليمان الخبر سار إلى مصر، فأرسل إليه شيبان يطلب الأمان، فأجابه، فخرج إليه ليلاً، ولم يعلم به أحد من الجند، فلما أصبحوا قصدوا داره ولم يجدوه، فبقوا حيارى، ولما وصل محمد مصر دخلهأن واستولى على دور طولون وأموالهم، وأخذهم جميعأن وهم بضعة عشر رجلأن فقيدهم، وحبسهم واستقصى أموالهم، وكان ذلك في صفر، وكتب بالفتح إلى المكتفي، فأمره بإشخاص آل طولون وأسبابهم من مصر والشام إلى بغداد، ولا يترك منهم أحدأن ففعل ذلك، وعاد إلى بغداد، وولى معونة مصر عيسى النوشري.
ثم ظهر بمصر إنسان يعرف بالخلنجي، وهومن قوادهم، وكان تخلف عن محمد بن سليمان، فاستمال جماعة، وخالف على السلطان، وكثر جمعه وعجز النوشري عنه، فسار إلى الإسكندرية، ودخل إبراهيم الخلنجي مصر، وكتب النوشري إلى المكتفي بالخبر، فسير إليه الجنود مع فاتك، مولى المعتضد، وبدر الحمامي، فساروا في شوال نحومصر.

.ذكر عدة حوادث:

وفيها أخذ بالبصرة رجل ذكروا أنه أراد الخروج، وأخذ معه ولده وتسعة وثلاثون رجلأن وحملوا إلى بغداد، فكانوا يبكون، ويستغيثون، ويحلفون أنهم برآء، فأمر بهم المكتفي فحبسوا.
وفيها أغار أندرونقس الرومي على مرعش ونواحيهأن فنفر أهل المصيصة وأهل طرسوس فأصيب أبوالرجال بن أبي بكار في جماعة من المسلمين، فعزل الخليفة أبا العشائر عن الثغور، واستعمل عليهم رستم بن بردوا.
وفيها كان الفداء على ي رستم، فكان جملة من فودي به من المسلمين ألف نفس ومائتي نفس.
وحج بالناس الفضل بن عبد الملك بن عبد الله بن عباس بن محمد.
وفيها زادت دجلة زيادة مفرطة، حتى تهدمت الدور التي على شاطئها بالعراق.
وفيهأن في العشرين من أيار، طلع كوكب له ذنب عظيم جداً في برج الجوزاء.
وفيها وقع الحريق ببغداد بباب الطاق من الجانب الشرقي إلى طرق الصفارين، فاحترق ألف دكان مملوءة متاعاً للتجار.
وفيها توفي أبومسلم إبراهيم بن عبد الله الكجي، ويقال الكشي.
وفيها توفي القاضي عبد الحميد بن عبد العزيز أبوحازم، قاضي المعتضد بالله، ببغداد، وكان من أفاضل القضاة.

.حوادث سنة ثلاث وتسعين ومائتين:

.ذكر أول إمارة بني حمدان بالموصل وما فعلوه بالأكراد:

في هذه السنة ولى المكتفي بالله الموصل وأعمالها أبا الهيجاء عبد الله بن حمدان بن حمدون التغلبي العدوي، فسار إليهأن فقدمها أول المحرم، فأقام بها يومه، وخرج من الغد لعرض الرجال الذين قدموا معه، والذين بالموصل، فأتاه الصريخ من نينوى بأن الأكراد الهذبانية، ومقدمهم محمد بن بلال، قد أغاروا على البلد، وغمنوا كثيراً منه، فسار من وقته وعبر الجسر إلى الجانب الشرقي، فلحق الأكراد بالمعروبة على الخازر، فقاتلوه، فقتل رجل من أصحابه اسمه سيما الحمداني، فعاد عنهم، وكتب إلى الخليفة يستدعي النجدة، فأتته النجدة بعد شهور كثيرة، وقد انقضت سنة ثلاث وتسعين ودخلت سنة أربع وتسعين.
ففي ربيع الأول منها سار فيمن معه إلى الهدباينة، وكانوا قد اجتمعوا في خمسة آلاف بيت، فلما رأوا جدة في طلبهم ساروا إلى البابة التي في جبل السلق، وهومضيق في جبل عال مشرف على شهرزور، فامتنعوا وغار مقدمهم محمد بن بلال، وقرب من ابن حمدان، وراسله في أن يطيعه، ويحضر هووأولاده، ويجعلهم عنده يكونون رهينة، ويتركون الفساد، فقبل ابن حمدان ذلك، فرجع محمد ليأتي بمن ذكر، فحث أصحابه على المسير نحوأذربيجان، وغمنا أراد في الذي فعله مع ابن حمدان أن يترك الجد في الطلب ليأخذ أصحابه أهبتهم ويسيروا آمنين.
فلما تأخر عود محمد عن ابن حمدان علم مراده، فجرد معه جماعة من جملتهم إخوته سليمان، وداود، وسعيد، وغيرهم ممن يثق به وبشجاعته، وأمر النجدة التي جاءته من الخليفة أن يسيروا معه، فتثبطوأن فتركهم وسار يقفوا أثرهم، فلحقهم وقد تعلقوا بالجبل المعروف بالقنديل، فقتل منهم جماعة، وصعدوا ذروة الجبل، وانصرف ابن حمدان عنهم، ولحق الأكراد بأذربيجان، وأنهى ابن حمدان ما كان من حالهم إلى الخليفة والوزير فأنجدوه بجماعة صالحة وعاد إلى الموصل فجمع رجاله وسار إلى جبل السلق، وفيه محمد بن بلال ومعه الأكراد، فدخله ابن حمدان، والجواسيس بين يديه، خوفاً من كمين يكون فيه، وتقدم من بين يدي أصحابه، وهم يتبعونه، فلم يتخلف منهم أحد، وجاوزوا الجبل، وقاربوا الأكراد، وسقط عليهم الثلج، واشتد البرد، وقلت الميرة والعلف عندهم، وأقام على ذلك عشرة أيام، وبلغ الحمل التبن ثلاثين درهمأن ثم عدم عندهم وهوصابر.
فلما رأى الأكراد صبرهم وأنهم لا حيلة لهم في دفعهم لجأ محمد بن بلال وأولاده ومن لحق به، واستولى ابن حمدان على بيوتهم، وسوادهم، وأهلهم، وأموالهم، وطلبوا الأمان فأمنهم، وأبقى عليهم، وردهم إلى بلد حزة، وورد عليهم أموالهم وأهليهم، ولم يقتل منهم غير رجل واحد، وهوالذي قتل صاحبه سيما الحمداني، وأمنت البلاد معه، واحسن السيرة في أهلها.
ثم إن محمد بن بلال طلب الأمان من ابن حمدان فأمنه وحضر عنده، وأقام بالموصل وتتابع الأكراد الحميدية، وأهل جبل داسن إليه بالأمان، فأمنت البلاد واستقامت.

.ذكر الظفر بالخلنجي:

في هذه السنة، في صفر، وصل عسكر المكتفي إلى نواحي مصر، وتقدم أحمد بن كيغلغ في جماعة من القواد، فلقيهم الخلنجي بالقرب من العريش، فهزمهم أقبح هزيمة، فندب جماعة من القواد إليهم ببغداد، وفيهم إبراهيم بن كيغلغ، فخرجوا في ربيع الأول وساروا نحومصر.
واتصلت الأخبار بقوة الخلنجي، فبرز المكتفي إلى باب الشماسية ليسير إلى مصر في رجب، فوصل إليه كتاب فاتك في شعبان يذكر أنه والقواد رجعوا إلى الخلنجي، وكانت بينهم حروب كثيرة قتل بينهم فيها خلق كثير، فإن آخر حرب كانت بينهم قتل فيها معظم أصحاب الخلنجي، وانهزم الباقون، وظفروا بهم، وغمنوا عسكرهم، وهرب الخلنجي، فدخل فسطاط مصر، فاستتر بها عند رجل من أهل البلد، فدخلنا المدينة، فدلونا عليه، فأخذناه ومن استتر عنده، وهم في الحبس.
فكتب المكتفي إلى فاتك في حمل الخلنجي ومن معه إلى بغداد، وعاد المكتفي بغداد، وأمر برد خزائنه، وكانت قد بلغت تكريت، فوجه فاتك الخلنجي إلى بغداد، فدخلها هوومن معه في شهر رمضان، فأمر المكتفي بحبسهم.

.ذكر أمر القرامطة:

فيها انفذ زكروية بن مهرويه، بعد قتل صاحب الشامة، رجلاً كان يعلم الصبيان بالرافوفة من الفلوجة يسمى عبد الله بن سعيد، ويكنى أبا غامن، فسمي نصرأن وقيل كان المنفذ ابن زكرويه، فدار على أحياء العرب من كلب وغيرهم يدعوهم إلى رأيه، فلم يقبله منهم أحد، إلا رجلاً من بني زياد يسمى مقدام بن الكيال، واستقوى بطوائف من الأصبغيين المنتمين إلى الفواطم، وغيرهم من العليصيين، وصعاليك من سائر بطون كلب، وقصد ناحية الشام، والعامل بدمشق والأردن احمد بن كيغلغ، وهوبمصر يحارب الخلنجي، فاغتمن ذلك عبد الله بن سعيد، وسار إلى بصرى وأذرعات والبثينة، فحارب أهلهأن ثم أمنهم، فلما استسلموا إليه قتل مقاتليهم، وسبى ذراريهم واخذ أموالهم.
ثم قصد دمشق، فخرج إليهم نائب ابن كيغلغ، وهوصالح بن الفضل، فهزمه القرامطة، وأثخنوا فيهم، ثم أمنوهم وغدروهم بالأمان، وقتلوا صالحأن وفضوا عسكره، وساروا إلى دمشق، فمنعهم أهلهأن فقصدوا طبرية، وانضاف إليه جماعة من جند دمشق افتتنوا به، فواقعهم يوسف بن إبراهيم بن بغامردي، وهوخليفة أحمد بن كيغلغ بالأردن، فهزموه، وبذلوا له الأمان، وغدروا به، وقتلوه، ونهبوا طبرية، وقتلوا خلقاً كثيراً من أهلها وسبوا النساء.
فأنفذ الخليفة الحسين بن حمدان وجماعة من القواد في طلبهم، فوردوا دمشق، فلما علم بهم القرامطة رجعوا نحوالسماوة، وتبعهم الحسين في السماوة وهم ينتقلون في المياه ويغورونهأن حتى لجؤوا إلى ماءين يعرف أحدهما بالدمعانة، والآخر بالحبالة، وانقطع ابن حمدان عنهم لعدم الماء، وعاد إلى الرحبة، وأسرى القرامطة مع نصر إلى هيت وأهلها غافلون، فنهبوا ربضهأن وامتنع أهل المدينة بسورهم، ونهبوا السفن، وقتلوا من أهل المدينة مائتي نفس، ونهبوا الأموال والمتاع، وأوقروا ثلاثة آلاف راحلة من الحنطة.
وبلغ الخبر إلى المكتفي فسير محمد بن إسحاق بن كنداج، فلم يقيموا لمحمد، ورجعوا إلى الماءين فنهض محمد خلفهم، فوجدهم قد غوروا المياه، فأنفذ إليه من بغداد الأزواد والدواب، وكتب إلى ابن حمدان بالمسير إليهم من جهة الرحبة ليجتمع هوومحمد على الإيقاع بهم، ففعل ذلك.
فلما أحس الكبيون بإقبال الجيش إليهم وثبوا بنصر فقتلوه، قتله رجل منهم يقال له الذئب ابن القائم، وسار برأسه إلى المكتفي متقرباً بذلك، مستأمنأن فأجيب إلى ذلك، وأجيز بجائزة سنية، وأمر بالكف عن قومه.
واقتتلت القرامطة بعد نصر حتى صارت بينهم الدماء، وسارت فرقة كرهت أمورهم إلى بني أسد بنواحي عين التمر، واعتذروا إلى الخليفة، فقبل عذرهم، وبقي على المائين بقيتهم ممن له بصيرة في دينه، فكتب الخليفة إلى ابن حمدان يأمره بمعاودتهم، واجتثاث أصلهم، فأرسل إليهم زكرويه ابن مهرويه داعية له يسمى القاسم بن أحمد، ويعرف بأبي محمد، وأعلمهم أن فعل الذئب قد نفره منهم، وأنهم قد ارتدوا عن الدين وأن وقت ظهورهم قد حضر، وقد بايع له من أهل الكوفة أربعون ألفأن وأن يوم موعدهم الذي ذكره الله في شأن موسى، صلى الله عليه وسلم، وعدوه فرعون إذ {قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى} طه: 59، ويأمرهم أن يخفوا أمرهم، وأن يسيروا حتى يصبحوا الكوفة يوم النحر سنة ثلاث وتسعين ومائتين، فإنهم لا يمنعون منهأن وأنه يظهر لهم، وينجز لهم وعده الذي يعدهم إياه، وأن يحملوا إليه القاسم بن احمد.
فامتثلوا رأيه، ووافوا باب الكوفة وقد انصرف عن مصلاهم، وعاملهم إسحاق بن عمران، ووصلوها في ثماني مائة فارس عليهم الدروع، والجواشن، والآلات الحسنة، وقد ضربوا على القاسم بن أحمد قبة، وقالوا هذا أثر رسول الله. ونادوا: يا لثارات الحسين، يعنون الحسين بن زكرويه المصلوب ببغداد، وشعارهم: يا أحمد، يا محمد، يعنون ابني زكرويه المقتولين، فأظهروا الأعلام البيض، وأرادوا استمالة رعاع الناس بالكوفة بذلك، فلم يمل إليهم أحد، فأوقع القرامطة من أهل الكوفة، وقتلوا نحواًمن عشرين نفساً.
وبادر الناس الكوفة، وأخذوا السلاح، ونهض بهم إسحاق، ودخل مدينة الكوفة القرامطة مائة فارس، فقتل منهم عشرون نفسأن وأخرجوا عنهأن وظهر إسحاق، وحاربهم إلى العصر، ثم انصرفوا نحوالقادسية، وكان فيمن يقاتلهم مع إسحاق جماعة من الطالبية.
وكتب إسحاق إلى الخليفة يستمده، فأمده بجماعة من قواده، منهم: وصيف بن صوارتكين التركي، والفضل بن موسى بن بغأن وبشر الخادم الأفشيني، ورائق الحري، مولى أمير المؤمنين، وغيرهم من الغلمان الحجرية، فساروا منتصف ذي الحجة حتى قاربوا القادسية فنزلوا بالصوان، فلقيهم زكرويه.
وأما القرامطة فإنهم أنفذوا واستخرجوا زكرويه من جب في الأرض كان منقطعاً فيه سنين كثيرة، بقرية الدرية، وكان على الجب باب حديد محكم العمل، وكان زكرويه إذا خاف الطلب جعل تنوراً هناك على باب الجب، وقامت امرأة تسجره، فلا يفطن إليه، وكان ربما أخفي في بيت خلف باب الدار التي كان بها ساكنأن فإذا انفتح باب الدار انطبق على باب البيت، فيدخل الداخل الدار فلا يرى شيئأن فلما استخرجوه حملوه على أيديهم، وسموه ولي الله، ولما رأوه سجدوا له، وحضر معه جماعة من دعاته وخاصته، وأعلمهم أن القاسم بن أحمد من أعظم الناس عليهم ذمة ومنة، وأنه ردهم إلى الدين بعد خروجهم عنه، وأنهم إن امتثلوا أوامره أنجز موعدهم وبلغوا آمالهم، ورمز لهم رموزاً ذكر فيها آيات من القرآن نقلها عن الوجه الذي أنزلت فيه، فاعترف له من رسخ حب الكفر في قلبه أنه رئيسهم وكهفهم، وأيقنوا بالنصر وبلوغ الأمل.
وسار بهم وهومحجوب يدعونه ولا يبرزونه، والقاسم يتولى الأمور، وأعلمهم أن أهل السواد قاطبة خارجون إليه، فأقام بسقي الفرات عدة أيام، فلم يصل إليه منهم إلا خمس مائة رجل، ثم وافته الجنود المذكورة من عند الخليفة، فلقيهم زكرويه بالصوان، وقالتهم واشتدت الحرب بينهم، وكانت الهزيمة أول النهار على القرامطة، وكان زكرويه قد كمن لهم كميناً من خلفهم، فلم يشعر أصحاب الخليفة إلا والسيف فيهم من ورائهم، فانهزموا أقبح هزيمة، ووضع القرامطة السيف فيهم، فقتلوهم كيف شاءوأن وغمنوا سوادهم، ولم يسلم من أصحاب الخليفة إلا من دابته قوية، أومن أثخن بالجراح، فوضع نفسه بين القتلى، فتحاملوا بعد ذلك، وأخذ للخليفة في هذا العسكر أكثر من ثلاثمائة جمازة عليها المال والسلاح، وخمس مائة بغل، وقتل من أصحاب الخليفة، سوى الغلمان ألف وخمس مائة رجل، وقوي القرامطة بما غمنوا.
ولما ورد خبر هذه الوقعة إلى بغداد أعظمها الخلفة والناس، وندب إلى القرامطة محمد بن إسحاق بن كنداج، وضم إليه من الأعراب بني شيبان وغيرهم أكثر من ألفي رجل، وأعطاهم الأرزاق، ورحل زكرويه من مكانه إلى نهر المثنية لنتن القتلى.

.ذكر عدة حوادث:

وفيهأن في ربيع الآخر، قدم إلى بغداد قائد من أصحاب طاهر بن محمد ابن عمروبن الليث مستأمنأن ويعرف بأبي قابوس.
وسبب ذلك أن طاهراً تشاغل باللهو والصيد، ومضى إلى سجستان للصيد والتنزه، فغلب على الأمر بفارس الليث بن علي بن الليث، وسبكرى مولى عمروبن الليث، فوقع بينهما وبين هذا القائد تباعد، ففارقهم، ووصل إلى بغداد، فخلع عليه الخليفة وأحسن إليه، فكتب طاهر بن محمد يسأل رد أبي قابوس، ويذكر أنه جبى المال وأخذه، ويقول له: إما أن ترد إليه، أوتحتسب له بما ذهب معه من المال من جملة القرار الذي عليه، لم يجبه الخليفة إلى ذلك.
وفيها صارت الداعية التي للقرامطة باليمن إلى مدينة صنعاء، فحاربه أهلهأن فظفر بهم وقتلهم، فلم يفلت إلا اليسير، وتغلب على سائر مدن اليمن، ثم اجتمع أهل صنعاء وغيرهأن فحاربوا الداعية، فهزموه، فانحاز إلى موضع من نواحي اليمن، وبلغ الخبر الخليفة، فخلع على المظفر بن حاج في شوال، وسيره إلى عمله باليمن، وأقام بها إلى أن مات.
وفيها أغارت الروم على قورس، من أعمال حلب، فقاتلهم أهلها قتالاً شديدأن ثم انهزموأن وقتلوا أكثرهم، وقتلوا رؤساء بني تميم، ودخل الروم قورس فأحرقوا جامعهأن وساقوا من بقي من أهلها.
وفيها فتح إسماعيل بن أحمد الساماني، ملك ما وراء النهر، مواضع من بلاد الترك ومن بلاد الديلم؛ وحج بالناس محمد بن عبد الملك الهاشمي.
وفيها توفي نصر بن احمد الحافظ في رمضان، وأبوالعباس عبد الله بن محمد الناشي الشاعر الكاتب الأنباري.

.حوادث سنة أربع وتسعين ومائتين:

.ذكر أخبار القرامطة وأخذهم الحاج:

في هذه السنة، في المحرم، أرتحل زكرويه من نهر المثنية يريد الحاج، فبلغ السلمان، وأقام ينتظرهم، فبلغت القافلة الأولى واقصة سابع المحرم، فأنذرهم أهلها وأخبروهم بقرب القرامطة، فارتحلوا لساعتهم.
وسار القرامطة إلى واقصة، فسألوا أهلها عن الحاج، فأخبروهم أنهم ساروأن فاتهمهم زكرويه، فقتل العلافة، وأحرق العلف، وتحصن أهل واقصة في حصنهم، فحصرهم أياماً ثم ارتحل عنهم نحوزبالة، وأغار في طريقه على جماعة من بني أسد.
ووصلت العساكر المنفذة من بغداد إلى عيون الطف، فبلغهم مسير زكرويه من السلمان، فانصرفوأن وسار علان بن كشمرد جريدة، فنزل واقصة بعد أن جازت القافلة الأولى، ولقي زكرويه القرمطي قافلة الخراسانية بعقبة الشيطان راجعين من مكة، فحاربهم حرباً شديدة، فلما رأى شدة حربهم سألهم: هل فيكم نائب للسلطان؟ فقالوا: ما معنا أحد. قال: فلست أريدكم؛ فاطمأنوا وساروأن فلما ساروا أوقع بهم، وقتلهم عن آخرهم، ولم ينج إلا الشريد، وسبوا من الناس ما أرادوأن وقتلوا منهم.
ولقي بعض المنهزمين علان بن كشمرد، فأخبروه خبرهم، وقالوا له: ما بينك وبينهم إلا القليل، ولورأوك لقوزويت نفوسهم، فالله الله فيهم! فقال: لا أعرض أصحاب السلطان للقتل. ورجع هووأصحابه. وكتب من نجا من الحجاج من هذه القافلة الثانية إلى رؤساء القافلة الثالثة من الحجاج يعلمونهم ما جرى من القرامطة، ويأمرونهم بالتحذر، والعدول عن الجادة نحوواسط والبصرة، والرجوع إلى فيد والمدينة إلى أن تأتيهم جيوش السلطان، فلم يسمعوأن ولم يقيموا.
وسارت القرامطة من العقبة بعد اخذ الحاج، وقد طموا الآبار والبرك بالجيف، والأراب، والحجارة، بواقصة، والثعلبية، والعقبة، وغيرها من المناهل في جميع طريقهم، وأقام بالهيبر ينتظر القافلة الثالثة، فساروا فصادفوه هناك، فقاتلهم زكرويه ثلاثة أيام، وهم على غير ماء، فاستسلموا لشدة العطش، فوضع فيهم السيف وقتلهم عن آخرهم، وجمع القتلى كالتل، وأرسل خلف المنهزمين من يبذل لهم الأمان، فلما رجعوا قتلهم، وأن في القتلى مبارك القمي، وولده أبوالعشائر بن حمدان.
وكان نساء القرامطة يطفن بالماء بين القتلى يعرضن عليهم الماء، فمن كلمهن قتلنه، فقيل إن عدة القتلى بلغت عشرين ألفأن ولم ينج إلا من كان بين القتلى فلم يفطن له فنجا بعد ذلك، ومن هرب عند اشتغال القرامطة بالقتل والنهب، فكان من مات من هؤلاء أكثر ممن سلم ومن استعبدوه، وكان مبلغ ما أخذوه من هذه القافلة ألفي ألف دينار.
وكان في جملة ما أخذوا فيها أموال الطولونية وأسبابهم، فإنهم لما عزموا على الانتقال من مصر إلى بغداد خافوا أن يستصحبوها فتؤخذ منهم، فعملوا الذهب والنقرة سبائك، وجعلوها في حدائج الجمال، وجميع ما لهم من الحلي والجوهر، وسيروا الجميع إلى مكة سرأن وسار من مكة في هذه القافلة فأخذت.
وبث زكرويه الطلائع خوفاً من عسكر الذي كان بالقادسية، وأقام ينتظر وصول من كان في الحج من عسكر الخليفة وأصحابه، فكانوا بفيد ينتظرون هل تعرض القرامطة لحاج أم لأن فكان معهم جماعة من التجار أرباب الأموال، فلما بلغهم ما صنع القرامطة أقاموا ينتظرون وصول عسكر من عند الخليفة، فسار زكرويه إليهم، وغور الآبار، والمصانع، والمياه إلى فيد، فاحتمى أهل فيد ومن بها من الحجاج بالحصنين اللذين بفيد وحصرهم فيهما القرامطة، وأرسل زكرويه إلى أهل فيد يأمرهم بإخراجهم أوبتسليم الحصنين إليه، وبذل لهم الأمان على ذلك، فلم يجيبوه، فتهددهم بالنهب والقتل، فازداد امتناعهم، وأقام عليهم عدة أيام، ثم سار إلى الساج ثم إلى جعفر أبي موسى.